- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠57برنامج أحاديث قدسية - قناة قطر
مقدمة :
أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
من عمل عملاً لغير الله لم يقبله الله منه :
أيها الأخوة الأحباب ؛ لا زلنا في الأحاديث القدسية ، والحديث اليوم عن الشرك الخفي ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( قال الله تبارك وتعالى : أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ ، مَنْ عَمِل عَمَلاً أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ ))
أيها الأخوة الكرام : معنى الحديث ؛ أنا غني عن أن يشاركني غيري ، من عمل عملاً لغيري لم أقبله منه ، بل أتركه لذلك الغير ، وجاءت نصوص الكتاب والسنة بالترهيب من أن يقصد الإنسان بعبادته غير الله ، وعدّ ذلك من عظائم الذنوب ، بل من الشرك الخفي بالله تعالى ، لأنه ينافي الإخلاص الذي يقتضي أن يقصد المسلم بعلمه الله وحده لا شريك له ، قال سبحانه تعالى :
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾
والمرائي في الحقيقة جعل العبادات مطية لتحصيل أغراض نفسه الدنية ، وهو تلاعب بالشريعة ، واستهانة بمقام الألوهية ، ووضع للأمور في غير مواضعها ، وقد توعد الله صنفاً من الناس يراؤون بصلاتهم بالويل والهلاك ، فقال تعالى :
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
مراءاة الناس بالأعمال من أخص صفات المنافقين :
وبيّن سبحانه وتعالى أن الذي يريد بعمله عاجل الدنيا فإنه يعجل له ثوابه إذا شاء الله، ومصيره في الآخرة العذاب الشديد ، والعياذ بالله ، لأنه لم يخلص العمل لله ، قال سبحانه وتعالى:
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ﴾
وجعل مراءاة الناس بالأعمال من أخص صفات المنافقين ، قال سبحانه وتعالى :
﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ ﴾
لذلك الإخلاص الإخلاص ، ونحن جميعاً معنيون في هذا الموضوع ، لذلك قال العلماء : أدركنا الناس وهم يراؤون بما يعملون ، إنه يعمل ويوري الناس عمله كي يستجدي مديحه ، يراؤون بما لا يعلمون ، حينما رأى الناس بما لا يعملون أحبط عملهم ، ومعنى إحباط العمل ؛ أن تسقط نيته بذلك ، لذلك :
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل يا رسول الله جلهم لنا ؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
مرة رجل ما فاتته تكبيرة الإحرام في الصف الأول أربعين عاماً ، فغلبه النوم مرة فاستيقظ مذعوراً وقال : ماذا يقول الناس عني اليوم ؟ معنى ذلك هذا العمل العظيم أن تصلي صلاة الفجر في المسجد ، في الصف الأول أربعين عاماً أردت بهذا العمل أن تنتزع إعجابهم ، هذا موضوع خطير جداً ، والإنسان من أصعب الأشياء عليه أن يتابع نيته ، وأن يتابع عمله ، أما النية فهي التي تقيم العمل ، فلذلك أدركنا الناس يراؤون بما يعملون ، فصاروا الآن يراؤون بما يعملون ، وقال العلماء : تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل ، مع الإخلاص كما قلنا ينفع قليل العمل وكثيره ، ومن دون إخلاص لا ينفعك لا قليله ولا كثيره ، من تعلم العلم ليماري به العلماء، أو ليماري به السفهاء أو ليصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار .
ثلاثة مؤشرات مهمة جداً في تقييم العمل :
أيها الأخ الكريم ؛ انتبه إلى نيتك ، من علامات عدم الإخلاص ؛ هناك بعض المؤشرات : إذا اختلف العمل بين أن تكون بين المؤمنين ، وبين أن تكون وحدك ، هذا دليل عدم الإخلاص ، إن اختلفت العبادة بين أن تكون في خلوتك ، وبين أن تكون في جلوتك فالإخلاص ضعف في هذا العمل والعبادة ، إذا أثنى الناس عليك ، أو إذا ذموك اختلف العمل بالذم ، وتألق بالمديح ، هذا دليل ضعف الإخلاص .
ومن علامات الإخلاص : أنك لا يختلف عملك وأنت في ملأ ، أو أنت وحدك .
من علامات الإخلاص : أن العمل لا يزيد بالمديح ولا ينقص بالذم .
من علامات الإخلاص : أن تقبض ثمن عملك مباشرة من الله ، هذا هو الثواب ، وأنت رفعت عملاً إلى الله مخلصاً فعاد عليك من الله سكينة ، وجدت حلاوتها في قلبك .
ثلاثة مؤشرات مهمة جداً في تقييم العمل : إذا كان سيدنا الصديق رضي الله عنه وهو المؤمن الأول ، الذي قال عنه النبي الكريم :
(( ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر))
إذا كان الصديق رضي الله عنه حينما مدح قال : اللهم أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلنِي خيراً مما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ، هذا دعاء الصديق .
إذاً لا تحابي نفسك ، لا تقل : أنا مخلص .
الإخلاص هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق :
قال بعض العلماء : هناك إخلاص يحتاج إلى إخلاص ، والدليل القوي على الإخلاص قول الله عز وجل :
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾
الجوارح تنصاع لمنهج الله ، لكن القلب العبادة الأولى له الإخلاص .
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾
قال بعض العلماء : الإخلاص ؛ نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق الخالق، المخلص ينظر إلى الله ، هل أنا في مرضاته ؟ هل هو راضٍ عني ؟ هل هذا العمل يرضيه ؟ هل هذا الموقف يرضيه ؟ قال بعضهم : الإخلاص أن تكون الحركة والسكون في السر والعلانية سواء ، أي أنت بين حالين متحرك أو ساكن ، في بيتك أو أمام الناس ، الإخلاص أن تكون الحركة والسكون في السر والعلانية سواء .
أيها الأخوة ؛ أرجو ألا أبالغ : لو معك سند بمليار دولار - مثل افتراضي - على وجهه الآخر ورقة بيضاء ، السند على وجهه الآخر ، وجهه الأبيض ، هذا الإنسان توهم أنها ورقة عادية ، وأجرى عليها بعض الحسابات ، ثم مزقها ، واكتشف بعد ذلك أنه مزق هذا السند ، يكاد يموت من الألم ، هذا الذي يشتري بآيات الله :
﴿ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾
هذا الذي يستخدم الدين للدنيا ، هذا الذي يكتسب بالدين ، هذا الذي يكسب بالدين ، الإمام الشافعي قال : لأن أرتزق بالرقص أفضل عند الله من أن أرتزق بالدين ، هذا الذي يرتزق بالدين اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً ، قيل لبعض العلماء : ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا ؟ قال : لأنهم تكلموا لعز الإسلام ، ونجاة النفوس ، ورضا الرحمن ، ونحن نتكلم لعز النفس ، وطلب الدنيا ، وإرضاء الخلق .
قال بعضهم : أقبل على تعلم الإخلاص ، فوالله إن علمه خير العلم ، وإن فقهه كل الفقه ، من هنا قال سيدنا عمر رضي الله عنه : تعاهد قلبك .
شروط قبول العمل الصالح :
بمناسبة العمل الصالح لا يقبل إلا بشرطين ؛ وكل شرط لازم غير كافٍ ، الشرط الأول : أن يكون صواباً وفق منهج الله ، الشرط الثاني : أن يبتغي به وجه الله ، أي أن يكون خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، فإن لم يوافق السنة العمل مرفوض ، ولو كان مخلصاً ، حفلة غنائية يرصد ريعها للأيتام ، طبعاً خير إن شاء الله النية طيبة بحسب الظاهر ، أما الشكل فغير مقبول ، يانصيب خيري ، لذلك العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
العمل الصالح مقيد بإرضاء الله عز وجل ، لا أن ترضي الناس به ، فالبطولة أن يكون العمل خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
لماذا اخترت موضوع الإخلاص ؟ لأنه موضوع خطير جداً ، قد يكون لك عمل كالجبال ، ولكن تبتغي به الدنيا ، تبتغي به السمعة ، تبتغي به الوجاهة ، تبتغي به أن تصرف وجوه الناس إليك ، تبتغي به المديح ، تبتغي به الرفعة ، الله سبحانه وتعالى في بعض الأحاديث القدسية يقول :
(( قال الله تبارك وتعالى : أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ ، مَنْ عَمِل عَمَلا أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ ))